قصـــة حـــب
جابر
شاب تملأ جوانحه مشاعر الوفاء، وتتشرب نفسه معاني الإباء .. من جلال الوحي
شفت روحه، ومن رحيق النبوة تلقحت أفكاره، ومن عنفوان المجد ارتقت همته،
تراه شعلة نشاط لا يخمد بريقها .. له في كل خير سهما، وعند كل بر رسما ..
خيول خيره مسرجة، وبواكير معروفه محلقة، تخضر بحضوره النفوس، وتزهر
بمحادثته القلوب ...
أمه قرت به عينا، وأبوه همى بحبه قلبا .. كان بالنسبة لهما كالماء البارد للأكباد الحرى، وكالغيث الهاطل للأرض القفرى ..
أما إخوانه فهو واسطة عقدهم .. وزملاءه، وأساتذته فالكل يعجز عن وصفه .. يأسرهم بحلاوة منطقه، ويستعبدهم بدماثة خلقه، ويستمطر مشاعر الإعجاب بروحه المرحة ....
ها هو ينفتل من صلاة الليل تسري في دمائه آي الذكر، وتتشع في قلبه معاني الوحي ..
وتقف على يمينه نديمة وحدته .. فارهة الطول .. ممشوقة القوام .. فاتنة الطلعة .. قد سلبت لبه، واستباحت وجدانه ..!!
ها هو يلتفت إليها بإعجاب، فتبادله الشعور بدلال .. ثم أخذ يتحسسها برفق، ويمر بيديه على وجنتيها الرقيقتين، ويهز كتفها بحرارة .. وهي ساكنة مستسلمة تغريه بكبريائها الفاتن .. فيخالجه شعور مختلف، وتهجم عليه أسئلة كثيرة تفترس خلوته، فتضج نفسه بها ...
أتراها تخونني ؟ وأنا الذي محضتها عمري، واستبدلت بها اعز رفقتي ..!!
ثم يتحسس أحشائها فتهتز، وتهيج .. يتوسل لها أن تتكلم، أن تقول شيئا .. فهو يضيق ذرعا بصمتها البارد ..
دقق النظر إليها يخفضه تارة ويرفعه تارات .. تخيلها تهمس له ..
: جابر حبيبي لقد دنت ساعة المخاض، وبدت لحظات الطلق ..
في هذا الجو الحالم تمر لحظات، ولحظات .. وجابر يطارح غرامه .. لا يكترث بهمهمات النجوم، ولا يبالي بنظرات القمر ..!!
صوت ينساب بلطف يداعب سمع جابر ..
صالح : ما لي أراك واجما أخي جابر ..؟
جابر : لا .. لا .. لا شيء .. وهو يخفي دمعة حارة تزحلقت على صحراء خده لم يستطع أن يحول بينها وبين مفارقة مآقي عينه .
صالح : أتبكي أخي جلال وانت من علمنا أن البكاء لا يليق بالرجال ..
جلال : يحاول جاهدا دون جدوى أن يوقف السيل الهادر من عينه.. ثم يدفن وجهه في تعاريج يديه .. ويذهب بعيدا ..
فيتذكر تلك الليلة الفاصلة التي لم يذق فيها للنوم ذواقا .. كان يجلس القرفصاء على سطح منزلهم الطيني يسامر القمر، ويناجي النجوم .. إلى أن بدأ الفجر يرسل خيوطه البيضاء ...
وعلى الضفة الأخرى سواد في محراب الصلاة يقوم ويركع ويسجد بحركات خاشعة، ويرفع يديه إلى السماء..
ها هو يتحرك يقترب من جابر ...
.... : جابر بني مالك لم تنم ..؟
جابر : أمي لا .. لا شي .. ثم يسكت قليلا .. ثم يقول : أمي .. هل أنت راضية عني .؟
أم جابر : كيف لا أرضى عنك حبيبي .!!
ثم تردف قائلة : جابر كأنك تفكر في الزواج ..
جابر يتنهد تنهيدة طويله، ويرفع رأسه إلى السماء ..
أم جابر : لا عليك حبيبي .. سنخطب لك أجمل البنات، وسنزفك في أجمل الزفات ..
جلال يؤخذ نفسا عميقا .. ويقول بصوت متقطع : وس ت فرحين يااا أمي ..
أم جابر : لن تسعني الدنيا حبيبي .. سنوقد الشموع، وسنفرش الورود، ونذبح الذبائح، ونستقبل الضيوف و. و و
جلال : لن تغضبي مني يا أمي ..؟!
ضوضاء، وأصوات ترتفع تختلط بـ الله أكبر، الله أكبر ..
يفيق جابر على صوت صديقه صالح ..
صالح : جابر هيا بسرعة .. لقد حانت ساعة الصفر .. هناك دورية للعدو راجلة .. تستطلع المكان، وخلفها رتل من المدرعات ..
جلال : وقد انفرجت أساريره .. ( لقد بدت الزفة ياااا أمي .. )
ثم يلتفت إلى يمينه، ويحتضن عشيقته، ويقبلها بشغف قائلا: سنشرب نخب الحب حتى الثمالة ..
ينطلق جابر مع رفاقه سريعا .. ثم أخذ كل واحد منهم مكانه .. تحتبس النفاس تزداد ضربات القلوب .. تقترب ساعة الصفر رويدا .. رويدا .. وجابر يقبض على حبيبته بكل ما أتي من قوة واضعا اصبعه على زنادها .. يضغطه بقوة ويمطر جنود الإحتلال بوابل من معشوقته .. فيسمع جابر أجمل معزوفة في ليلة العمر التي كان انتظرها كثيرا ..!!
ها هو يحصدهم واحدا واحدا .. لم تنفعهم ستراتهم الوقاية من الرصاص .. فجابر يعرف كيف يحتفل على طريقته الخاصة ..
وبينما كان جابر يتقدم صوب العدو بكل بسالة ليلقنهم دروس العزة ويسمعهم لحن الحياة الشريفة تأتيه رصاصة فتخترق صدره النحيل فيخر صريعا يلفظ أنفاسه الأخيرة وعلى صدره تجثو حبيبته ترتل أهازيج الوداع..
حاول جابر أن يمسك ببندقيته لكنه لم يستطع .. استسلم للأمر،
وتذكر أمه فتلفظ بكلمات بصوت متهدج .. أمي هل أنت راضية عني ..؟
ثم يرفع إصبعه إلى السماء ويردد
أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا رسول الله ..
ثم تفيض روحه إلى الملأ الأعلى ..!!
أمه قرت به عينا، وأبوه همى بحبه قلبا .. كان بالنسبة لهما كالماء البارد للأكباد الحرى، وكالغيث الهاطل للأرض القفرى ..
أما إخوانه فهو واسطة عقدهم .. وزملاءه، وأساتذته فالكل يعجز عن وصفه .. يأسرهم بحلاوة منطقه، ويستعبدهم بدماثة خلقه، ويستمطر مشاعر الإعجاب بروحه المرحة ....
ها هو ينفتل من صلاة الليل تسري في دمائه آي الذكر، وتتشع في قلبه معاني الوحي ..
وتقف على يمينه نديمة وحدته .. فارهة الطول .. ممشوقة القوام .. فاتنة الطلعة .. قد سلبت لبه، واستباحت وجدانه ..!!
ها هو يلتفت إليها بإعجاب، فتبادله الشعور بدلال .. ثم أخذ يتحسسها برفق، ويمر بيديه على وجنتيها الرقيقتين، ويهز كتفها بحرارة .. وهي ساكنة مستسلمة تغريه بكبريائها الفاتن .. فيخالجه شعور مختلف، وتهجم عليه أسئلة كثيرة تفترس خلوته، فتضج نفسه بها ...
أتراها تخونني ؟ وأنا الذي محضتها عمري، واستبدلت بها اعز رفقتي ..!!
ثم يتحسس أحشائها فتهتز، وتهيج .. يتوسل لها أن تتكلم، أن تقول شيئا .. فهو يضيق ذرعا بصمتها البارد ..
دقق النظر إليها يخفضه تارة ويرفعه تارات .. تخيلها تهمس له ..
: جابر حبيبي لقد دنت ساعة المخاض، وبدت لحظات الطلق ..
في هذا الجو الحالم تمر لحظات، ولحظات .. وجابر يطارح غرامه .. لا يكترث بهمهمات النجوم، ولا يبالي بنظرات القمر ..!!
صوت ينساب بلطف يداعب سمع جابر ..
صالح : ما لي أراك واجما أخي جابر ..؟
جابر : لا .. لا .. لا شيء .. وهو يخفي دمعة حارة تزحلقت على صحراء خده لم يستطع أن يحول بينها وبين مفارقة مآقي عينه .
صالح : أتبكي أخي جلال وانت من علمنا أن البكاء لا يليق بالرجال ..
جلال : يحاول جاهدا دون جدوى أن يوقف السيل الهادر من عينه.. ثم يدفن وجهه في تعاريج يديه .. ويذهب بعيدا ..
فيتذكر تلك الليلة الفاصلة التي لم يذق فيها للنوم ذواقا .. كان يجلس القرفصاء على سطح منزلهم الطيني يسامر القمر، ويناجي النجوم .. إلى أن بدأ الفجر يرسل خيوطه البيضاء ...
وعلى الضفة الأخرى سواد في محراب الصلاة يقوم ويركع ويسجد بحركات خاشعة، ويرفع يديه إلى السماء..
ها هو يتحرك يقترب من جابر ...
.... : جابر بني مالك لم تنم ..؟
جابر : أمي لا .. لا شي .. ثم يسكت قليلا .. ثم يقول : أمي .. هل أنت راضية عني .؟
أم جابر : كيف لا أرضى عنك حبيبي .!!
ثم تردف قائلة : جابر كأنك تفكر في الزواج ..
جابر يتنهد تنهيدة طويله، ويرفع رأسه إلى السماء ..
أم جابر : لا عليك حبيبي .. سنخطب لك أجمل البنات، وسنزفك في أجمل الزفات ..
جلال يؤخذ نفسا عميقا .. ويقول بصوت متقطع : وس ت فرحين يااا أمي ..
أم جابر : لن تسعني الدنيا حبيبي .. سنوقد الشموع، وسنفرش الورود، ونذبح الذبائح، ونستقبل الضيوف و. و و
جلال : لن تغضبي مني يا أمي ..؟!
ضوضاء، وأصوات ترتفع تختلط بـ الله أكبر، الله أكبر ..
يفيق جابر على صوت صديقه صالح ..
صالح : جابر هيا بسرعة .. لقد حانت ساعة الصفر .. هناك دورية للعدو راجلة .. تستطلع المكان، وخلفها رتل من المدرعات ..
جلال : وقد انفرجت أساريره .. ( لقد بدت الزفة ياااا أمي .. )
ثم يلتفت إلى يمينه، ويحتضن عشيقته، ويقبلها بشغف قائلا: سنشرب نخب الحب حتى الثمالة ..
ينطلق جابر مع رفاقه سريعا .. ثم أخذ كل واحد منهم مكانه .. تحتبس النفاس تزداد ضربات القلوب .. تقترب ساعة الصفر رويدا .. رويدا .. وجابر يقبض على حبيبته بكل ما أتي من قوة واضعا اصبعه على زنادها .. يضغطه بقوة ويمطر جنود الإحتلال بوابل من معشوقته .. فيسمع جابر أجمل معزوفة في ليلة العمر التي كان انتظرها كثيرا ..!!
ها هو يحصدهم واحدا واحدا .. لم تنفعهم ستراتهم الوقاية من الرصاص .. فجابر يعرف كيف يحتفل على طريقته الخاصة ..
وبينما كان جابر يتقدم صوب العدو بكل بسالة ليلقنهم دروس العزة ويسمعهم لحن الحياة الشريفة تأتيه رصاصة فتخترق صدره النحيل فيخر صريعا يلفظ أنفاسه الأخيرة وعلى صدره تجثو حبيبته ترتل أهازيج الوداع..
حاول جابر أن يمسك ببندقيته لكنه لم يستطع .. استسلم للأمر،
وتذكر أمه فتلفظ بكلمات بصوت متهدج .. أمي هل أنت راضية عني ..؟
ثم يرفع إصبعه إلى السماء ويردد
أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا رسول الله ..
ثم تفيض روحه إلى الملأ الأعلى ..!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق